مصارع الشعراء
كان الشاعر ولازال .. ذا مكانة كبيرة عند قبائل العرب , فكانت تتفاخر بشعرائها تفاخرها بفرسانها , بل ربما رجحت مكانة الشاعر على الفارس فلسان الشاعر لا يقل سلاطة وحدة من سيف الفارس على الأعداء !!!!
وربما يعد هذا السبب الحقيقي وراء قتل عدد كبير من الشعراء ( الخوف من أقلامهم الحادة ) ....
فنجد الشاعر يقدم روحه قرباناً لمبادئه وعقيدته , وما أرخصها عند حاكم جائر متسلط !!!
وإليك يا سيدي القارئ بعضاً من هذه النماذج :
1- الكميت الأسدي
عرف بقصائده ( الهاشميات ) وهي القصائد التي قالها في أهل البيت عليهم السلام مدافعاً عنهم ومبيناً حقهم في الخلافة و مظلوميتهم مندداً فيها ببني أمية..
كان الكميت يهجو خالد القسري والي العراق من قبل الأمويين , فثارت عصبية الجند لزعيمهم عندما سمعوا الكميت وهو يستهزئ به , ورأوها فرصة تخلصهم من لسان هذا الشاعر فوضعوا سيوفهم في بطن الكميت , فلم يزل ينزف فيه الدم حتى مات وهو يقول : اللهم آل محمد , قالها ثلاث مرات وكان ذلك عام 126 هـ .
2- ابن هانئ الأندلسي
كان يسمى بمتنبي المغرب تشبيهاً له بأبي الطيب المتنبي , وكان شيعيا يمدح حكام الدولة الفاطمية في المغرب ( القيروان ) .
وكان حكام الأندلس الأمويون خصوم الدولة الفاطمية متابعين لخطر هذا الشاعر عالمين بما يفعله شعره للدولة الفاطمية ورأوا في قلمه خطراً لا يقل مضاءً من السيف , فقرروا حرمان الدولة الفاطمية منه فأرسلوا من اغتاله وهو في الطريق إلى مصر عند برقة عام 362 هـ .
3- أبو فراس الحمداني
بعد وفاة سيف الدولة الحمداني تولى الحكم ابنه أبو المعالي وكان أبو فراس خاله .
كان أبو المعالي صغير السن لا يزال حدثاً فتسلم الحكم بدلاً منه وبالوصاية عليه غلامه التركي ( قرغويه )
فأبى أبو فراس وهو الفارس الشجاع أن يطيع هذا الغلام التركي وينقاد له و يعترف له بالحكم .
ففسدت العلاقة بين أبي المعالي وبين أبي فراس , فخرج إليه أبو المعالي في جيش ضخم وفي مقدمتهم ( قرغويه ) !
فحاصروا أبا فراس ( بصدد ) فناوشهم القتال حتى أعطوه الأمان , ولكن الغلام التركي ( قرغويه) لا أمان له , حيث أمر بعض غلمانه بقتل أبي فراس فضربه على رأسه بدبوس مضرس فسقط على دابته , ونزل الغلام فجزّ رأسه , وتركت جثته ملقاة في الفلاة إلى أن مرّ بعض الأعراب فواروها التراب , كان ذلك عام 375هـ , والمأساة فيها أن ابن الأخت يقتل خاله بمعاونة غلام تركي من أجل السلطة ومن أجل الاستيلاء على الحكم !!
4- دعبل الخزاعي
( لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتفي أدور من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك )
أعلنها بيقين وعقيدة بالغة فجاء من يقتله ويصلبه على خشبته وهو شيخ كبير بلغ من العمر 98 سنة !!
كان دعبل ذا عقيدة راسخة في أحقية أهل البيت عليهم السلام بالخلافة ولذلك كان موقفه ثابتاً طوال حياته ومع كل خليفة عباسي يعتلي كرسي الخلافة فكلهم لا يستحقون التهنئة وإنما هم أهل للهجاء .
فقضى شطراً كبيراً من حياته هارباً مشرداً من بغداد إلى مصر إلى المغرب إلى الأهواز ....
حتى قبض عليه مالك بن طوق التغلبي أحد قواد العباسيين في البصرة فأمر والي البصرة فدعى له بالعصي والمقارع وأخذ ينهال عليه ضرباً بكل قسوة وهو شيخ كبير كان بلغ من العمر 98 عاماً حتى استعمل معه كل ما قدر عليه من وسائل التعذيب ,
وأطلق سراحه فهرب إلى الأهواز من إيران .
فاشترى مالك التغلبي مرتزقاً باع ضميره بعشرة آلاف درهم وجهزه بالسم , فطفق الحقير يبحث عن دعبل حتى وجده في قرية من نواحي السوس في الأهواز فاغتاله بعد صلاة العشاء بأن ضرب ظهر قدمه بعكاز لها حربة مسمومة فمات في فجر اليوم التالي ودفن في القرية نفسها عام 246 هـ
فلا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم